كوكاس في لحظة بوح: الكتابة موت مؤجل… واللغة آخر حصون الكينونة
في حضرة الكلمة، وأمام جمهور المعرض الدولي للنشر والكتاب، قدّم الكاتب والصحفي عبد العزيز كوكاس شهادة فريدة لا تُصنّف في خانة المداخلات، بل تُعدّ لحظة بوح وجودي، استبطنت جوهر الكتابة وتقاطعاتها مع الفقد، والغياب، والموت بوصفه سؤالًا إنسانيًا قبل أن يكون حدثًا بيولوجيًا. بلغة شاعرية موشومة بالتأمل، استعرض كوكاس علاقته بالكتابة، مؤكدًا أنها ليست ترفًا إبداعيًا ولا تمرينًا ذهنيًا، بل فعل مقاومة ضد النسيان، وضد صمت اللغة، وضد أفول الصوت الإنساني. “العنوان”، كما قال، “ليس مجرد واجهة للنص، بل هو التريّة التي تضيء سماء الكتابة، وتختزل المعنى كما تختزل القطرة ملوحة البحر.
” لم يكتب كوكاس رثاءً، بل “أغاني حزينة” – كما وصفها – لأولئك الذين يسكنون ذاكرتنا، لا لأنهم غادروا، بل لأنهم تركوا أثرًا لا يُمحى.
“لم أكتب عن الموتى بصيغة الغائب، لأنهم لا يزالون أحياء فينا، في وشم الفكرة، وفي بقايا الحب، وفي صدى اللغة التي علمونا نطقها.” وعن الموت، لا يتحدث كوكاس بلغة الفقد بل بلغة التحوّل. فالموت بالنسبة له لا يبدأ بانقطاع النفس، بل بانقطاع اللغة، حين يتحول الإنسان إلى كائن صامت يُشير بأصابعه ولا يتكلم، يهمس بدل أن يُعبّر. “أول أشكال الموت هو موت الصوت…
حين تختطف منا اللغة، نخسر آخر حصن من حصون الكينونة.” في مقارنة فلسفية عميقة، استحضر كوكاس صورة موت الساموراي الياباني، وموسم تفتّح وردة الساكورا، حيث يلتقي الجمال بالخفة، والموت بالشموخ. “لا أريد موتًا رتيبًا، بل موتًا جميلاً، شبيهًا بوردة الساكورا حين تسقط في عزّ تفتحها، لا تحت عجلات الحياة بل فوق صدر من أحب.” إنها ليست فقط مداخلة أدبية، بل بيان شعري عن الكتابة بوصفها مقاومة، وعن اللغة باعتبارها شرطًا للوجود، وعن الموت حين يتحوّل من حدث إلى وعي، ومن نهاية إلى لحظة تأمل في المعنى.