المثقف والمؤثر: تحولات السلطة الثقافية في العصر الرقمي

0

في إطار فعاليات معرض الكتاب بالرباط، شهدت الندوة الفكرية التي جمعت الروائية المغربية سلمى أمانة الله والناقد الأدبي عبدالله بيضا نقاشاً عميقاً حول إشكالية العلاقة بين المثقف والمؤثر في العصر الرقمي، وتحولات السلطة الثقافية في المجتمع المعاصر.

استهلت أمانة الله مداخلتها بالإشارة إلى تعريف إدوارد سعيد للمثقف بوصفه “ذلك الشخص الذي لا يهادن حين يبقى وفياً لوظيفته الأساسية كناقد للسلطة بمختلف مفاهيمها وناقد للواقع، مرتكزاً في ذلك على معرفة مستقلة”.

وقابلت هذا التعريف بواقع المؤثر الرقمي الذي وصفته بأنه “نتاج اقتصاد رقمي” يعتمد محتوى خفيفاً يسعى للتأثير المباشر باستخدام العاطفة. وأوضحت الروائية المغربية الفرق الجوهري بين الدورين: “المثقف يساعد والمؤثر يسلي، المثقف يطرح الأسئلة الحقيقية المزعجة بينما المؤثر يهادن ويرضي”. وأشارت إلى أن المتلقي في ظل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة أصبح يميل إلى المسائل السطحية والخفيفة، وعزت ذلك جزئياً إلى “فقدان الثقة في المثقف كما عرفناه”.

واستشهدت أمانة الله بظاهرة لافتة رصدتها في معرض الكتاب، حيث شهدت إقبالاً غير مسبوق من القراء على كاتب عربي لم يكن معروفاً لدى النقاد والناشرين والمثقفين. وبعد البحث، اكتشفت أن سر هذه الشعبية يكمن في منصة “البوك توك” (BookTok) المنبثقة عن تطبيق “تيك توك”، والتي تستقطب جمهوراً شاباً واسعاً. وأوضحت أن هذه المنصة تمنح السلطة للقارئ وليس للكاتب أو الناقد، معتمدة على التفاعل البصري والتمثيلي دون الغوص في تحليل الخطاب أو الفكرة، واصفة هذه الظاهرة بأنها “خطيرة جداً”.

من جانبه، تناول الناقد عبدالله بيضا تحولات دور المثقف في المغرب، مستعرضاً تجربة مجموعة مجلة “أنفاس” في ستينيات القرن الماضي، حيث كان الكتّاب الشباب آنذاك “يتحدثون باسم الشعب” في ظل غياب المنابر الإعلامية للأغلبية الأمية. وأشار بيضا إلى كيف تفرقت هذه المجموعة خلال “سنوات الرصاص” وتحول مسار أفرادها، معتبراً أن ما حدث للمثقف هو أنه “انسحب وجاء المؤثرون، والطبيعة تكره الفراغ”، مضيفاً أن الكتابات المعاصرة أصبحت تنطلق من الذات ولم تعد تتحدث باسم الجماعة.

ختمت الندوة بدعوة ضمنية لإعادة النظر في العلاقة بين الثقافة الجادة والمنصات الرقمية، وكيفية استعادة دور المثقف الفاعل في المجتمع دون تجاهل التحولات الرقمية التي أعادت تشكيل آليات التأثير والتلقي في المشهد الثقافي المعاصر.

أضف ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.